في نظرِ المسافات، نحنُ ومضةُ ضوءٍ يفصلُ بين طرفيها ليلٌ سرمديّ، ومجرد نقطةٍ عالقةٍ في سطرِ الأبد!

تُورِقُ ابتسامةُ طفليَّ؛ فيغدو الكونُ أكثرَ احتمالاً!

حين تُطلّين، تعيدين للمرآةِ هويتها، لتتصالحَ مع صورتِها، فتغدو مرآةً مرتين؛ مرآة لكِ ومرآة لنفسها!

ما جفّت مشاعرنا؛ لكنها تقفُ عند حافةِ الانتظار، تترقبُ سحابةَ صيفٍ، علَّها تبللُ وجعها بقطرة، غير أنَّها تمضي صامتةً، تلوّحُ من بعيد، ولا تُمطر!

لعلَّ أعظمَ مفارقاتِ الوجودِ أنَّ الزمنَ لا يُغيّرُ الأشخاصَ بقدرِ ما يُعيد تشكيلَ صورهم في الوعي الجمعي؛ فيصبحُ من كان عبئًا ثقيلًا، ضرورةً لا غنى عنها!

عن سيهات؛ مدينتي التي كبرنا على أمواجِها، وترعرعنا بين ملوحةِ هوائِها وحكاياتِ بحرها، ورضعنا من ملوحتِها معنى الصبرِ والجَلَد. هي دانةُ المملكةِ على الساحلِ الشرقي، مدينةٌ تحملُ هويةَ الموجِ وصوتَ اليامال، وتغدو في الذاكرةِ ميناءً للطفولةِ وموطنًا للأحلامِ والبداياتِ الأولى. على

أقسى الغياب، أنْ يغيبَ المرءُ وهو جالسٌ أمامك؛ أنْ تفتقدَ روحَهُ فيما لا يزالُ صوتُهُ يملأُ المكان، وأنْ تشعرَ أنَّ المسافةَ بينكَ وبينهِ ليستْ مترًا ولا ذراعًا، بل مجرّةً كاملةً من الصمتِ والخذلان. فامنحْ من تحبّ ويُحبّك يقينَ حضورك، ودفءَ قلبك، قبل أنْ يصيرَ وجودُكَ مُجرّدَ

من لم يمتطِ صهوةَ عقلِه، ظلَّ سائرًا على قدميهِ في دروبِ العتمة!

الأدباءُ الحقيقيون يتعبون من أجلِ إيصالِ رسائلهم، ومن أجلِ صياغة الجمالِ الذي نتلقّاه بأعيننا ومسامعنا. عُدّتهم اللغةُ والثقافة؛ فإنْ تعثّرَ أحدهما سقطَ الأدبُ وخبا بريقه، وصار الأديبُ كجسدٍ بلا روح، وصوتٍ يتلاشى في الفراغ!

لابد من آذانٍ تُصغي لأسئلةِ الأطفال؛ فهي ليستْ محض فضولٍ عابر، بل مفاتيح صغيرة تطرقُ أبوابَ الحقيقة، وأجراس خفيفة تنبِّهنا أنَّ العالمَ لا يزال قادرًا على ولادةِ الدهشة!

ثمة لحظاتٌ يضيقُ بها صدري شوقًا لأن أختلس الأوجاعَ من أجسادِ أحبتي؛ أخبئها في صدري كمنفى للألم، وأعيد للشفاهِ المرهقةِ ضحكاتها، فالفرح خُلق ليقيمَ في وجوههم، لا ليغادرها!

الأستاذ الملهم عبدالله؛ شكرًا لمرورك الكريم الذي أضفى لكلماتي حياةً وبهاءً، فلك الامتنان على هذا الحضور الذي يعني لي الكثير!

أنْ تتعايشَ مع تناقضاتِ الحياةِ يعني أنْ تقبلَ بكونها مليئة بما لا يمكنُ التوفيق بينه؛ أنْ تُدركَ أنَّ الصفاءَ قد يُولد من قلبِ الفوضى، وأنَّ الفرحَ يجاورُ الحزنَ في مقعدٍ واحد، وأنَّ النقصانَ أحيانًا أبلغُ من الاكتمال. هو أنْ تتعلمَ كيف تسيرُ بخطواتٍ واثقةٍ فوق أرضٍ تتقاطعُ

حين لا تجدُ ما يستحق أنْ يُكتب، دعْ للصمتِ شرفَ التعبير؛ فالصمتُ أحيانًا نصٌّ أنقى من كلِّ كتابةٍ عابرة!

بعضُ النصوصِ تزنُ جبالاً؛ لا لأنها مكتوبةٌ بحبرٍ أثقل من غيره، بل لأنها مشبَّعةٌ بروحِ كاتبها، محمّلةٌ بذكرياته وانكساراته، مثقلةٌ بدمعٍ جفَّ على الورقِ وصوتٍ ظلَّ يتردّدُ بين السطور. هناك كلماتٌ تُقرأ بالعين، وأخرى لا تُفهم إلا بالقلب؛ كأنها صخورٌ ضخمةٌ تستقرُّ في أعماقنا، أو

نحن والوجود كعدّاءٍ يخوضُ سباقًا لا ينتهي؛ نتعثرُ أحيانًا، ثم نتوقف لننظرَ حولنا ونتساءل عن جدوى هذا الركض!