وأنا على وجه هذا البحر من القلق، أغمض عيناي للحظات، أنظر حولي فأجد خلف أيامي طفلاً يرتاح رأسه الدافيء على كتفي، أخبرني ذات يوم أنه يحب عودة الصباح لأنه سوف يراني؛ حسن صار اليوم رجلاً صلباً ناجحاً ورائعاً؛ سوف أبقى فخوراً بك دائماً، أحضنك بقلبي وتبقى فيه ذلك الطفل الطاهر والرقيق!

"وطني زرعتي بأرضه أنا، … زرعته بكل الدني" أفسدوا الزرع وبقي التراب، خربوا الوطن وبقي ارتباط بنيه به وثيقاً يلتقون على حبه في تشتتهم، ارتوت المغتربات من عرقهم وشبابهم وزينوها بتميزهم ونجاحاتهم، وما زالوا يحلمون بالعودة إليه والمساهمة في إعادة بنائه لجميع بنيه، تحية لكل مغترب!

وأوجب أن توضع الطاقة "للتنوير" تحت تصرف المشتركين ١/٢ ساعة قبل الغياب وحتى الساعة ٢ بعد نصف الليل، أي بمعدل ٨ ساعات يومياً، ها هو بلد النور بعد قرن من إنارة القرى يعجز عن إنارة مدنه أكثر من ٦ ساعات بعد حلول الظلام، وبات بأمس الحاجة للسماح للبلديات بما كان مسموحاً لها به قبل قرن!

الإدارة تؤمّن استمرارية الدولة وتضمن سير مرافقها دون عوائق؛ يخرج وزير سلف وتبقى الإدارة منارة للخلف ترشده في متابعة ملفات وزارته؛ إلا وزارة الطاقة التي تحولت إلى جزيرة يحتكر أسرارها مستشارون تختفي بغيابهم معالم سبلها، لذا تخشاها القوى السياسية؛ استعينوا بقدامى القطاع وهم كثر!

هو مشهدٌ مَهِيبٍ ذلك الذي سجله الجنوبيون اليوم بعودتهم الجريئة إلى قراهم متسلحين بقبضاتهم العارية وإرادتهم الصلبة في مواجهة همجية العدو؛ هو يومٌ مجيد ترتسم فيه معالم نصر جديد؛ من يستعد لبذل الروح في سبيل الأرض لا ينكسر!

عمر الحكومة الجديدة قصير لن يسمح بإحداث التغيير المرجو حيال أزمات مزمنة ومعقدة، في ظل موازين قوى غير مستقرة؛ من وزرائها غرباء منبتهم شركات عالمية لا خبرة لهم في إدارة مصالح دولة؛ الوزير ياسين جابر اختبر شؤون المال والموازنة وارتقب حصول الانهيار ؛ أتوقع أن يشكّل أداؤه علامة فارقة!

سأل أخوت شاناي زوجة الأمير بشير عن رأيها بالقوة فأجابت: "القوة يجب أن لا تنفصل عن الحق"؛ - وإذا انفصلت؟ "يصبح الباطل أقوى من الحق" - وإذا انحاز ضمير العالم للقوة فما الذي يمكن أن يحصل؟ "يحكمه الظلم والسواد والبشاعة" ها هو العالم اليوم تحكمه قوة الباطل في أبشع صوره وتجلياته!

غنّت فيروز الرحابنة وزيّن صوتها الملائكي صباح أجيال الوطن جمالاً حتى الإدمان؛ حدثنا زياد طويلاً وسكن عقولنا بالمنطق، تميّز بالفراسة فأبدع في استنباط الحقبقة من ظاهر الأحداث؛ مسرحه رسم لنا الحقيقة وغادرنا قبل نهاية "فيلم طويل"؛ رحيل الكبار مؤلم ولكن فقد زياد غير شكل؛ بكرا شو؟!

إن تراجع الرادع الأخلاقي لدى بعض موظفي القطاع العام ناتج عن الظروف الصعبة التي يعيشها منذ انهيار ٢٠١٩، وعن إهمال الدولة لحقوقه وسلبيتها تجاهه. إن وقف التوظيف أوصل الشغور في الوظائف القيادية إلى مستوى كارثي يهدد حضور الدولة الفاعل من خلال أداتها التنفيذية المتمثلة بالإدارة العامة!

غريب أن يكون هناك تعريف للفساد في القطاع العام وإغفال ذلك في القطاع الخاص، الذي تصح فيه القاعدة: "ان العملة السيئة تطرد العملة الجيدة من السوق"، والتي تجلت في قدرة القطاع الخاص "الخبيث" على إقصاء "الحميد" منه، من خلال سلوك معابر الفساد المحمية من بعض الوزراء في كثير من الحالات!

صديقي مايك، أحترمك ولا داعي للاعتذار ربما أكون أنا المحتاج إلى اعتذار لعجزي عن إشاعة أمل بمساحة حلمنا الكبير بوطن عزيز كريم سيّد، ومستقل عن أهواء الخارج وأطماعه بثرواتنا، وبدولة تحمي رعاياها وتحفظ حقوقهم؛ أنا سعيد بلقائنا الأخير بالمغتربين الحالمين بالعودة إلى تراب ذلك الوطن!

"العلم بالشيء خير من الجهل به" هو في المبدأ قول جميل؛ ولكن عندما يكون هذا "الشيء" شراً، فلا يصحّ خير العلم به إلا إذا كان بهدف تدارك مخاطره واتقاء شروره، وليس لتقبّله و"دسّه" في لا وعي أجيال المستقبل وثقافتهم، فتتحول الدعوة إليه تواطؤاً في سبيل إسقاط أخلاق المجتمع وكرامة أهله!