بقدر ما يهمني النوم ليلاً، أشعر وكأنه لم يُكتب لي؛ فالأرق يخاصمني ويلقيني وحيدًا خلف ظلمة الليل؛ والآن كما جرت العادة، أجد في صالة الحديد ملاذًا لي في هذه الأوقات المتأخرة.
يكمن اليوم في سوادٍ واعتلال، فلا خيط أمل يلوح، ولا شعاع شمس يتسلّل إلى الغرفة، والليالي قمرية، غير أنّ وهج الليل غاب عنها؛ لا شيء هنا سوى فحيح أنفاس خانقة وحبل أفكار شاردة تستمد من واقعة شائكة ما زالت تنزف في الذاكرة؛ ولا أكف عن أن أردّد، يالله، إلى أين أهذي؟
أنا لا أتعذر بخذلان الناس، أنا أتعذر بخذلاني، أنا مسؤول قراراتي وأنا ردة فعل لكل ما قد يمس مواضع راحتي؛ يولد بداخل كل إنسان شر دفين حين لا يتبقى له شيء ليخسره.
كان وجودك مُـرًا، لكنه حلوٌ على نحو لا يفسّر؛ كأنك تمزجين السحر في كل خطوة حتى وإن كانت عاثرة؛ فوضاك المتروكة خلفك لا زالت تسكن زوايا المكان، والآن لا شيء سوى السكينة تغطي الأيام، ورغم ذلك… لا أقوى على هذا الفراغ.
لحظات سكون بعد امتلاء الشغف، يصاحبها نعاس ثقيل عند نهاية اليوم؛ أحيانًا لا يتمنى المرء أكثر من ذلك؛ أن يعمّه دفء العائلة والأصحاب؛ لا يوجد ما أطلبه أكثر من ذلك.
الروتين غالب؛ لا جديد يذكر بأيامي؛ ولست مدينًا لأحدٍ بمشاركة أخباري؛ ليس حبًا بالخفاء أو ميلاً للإنطواء؛ لأنّي ببساطة شخص لا يطيل البقاء، لا يجيد اللقاء، وأشري بمالي حقّ إنسحابي.
قاومي ولا تيأسي، فما زال للمشوار بقية؛ لنخطو معًا هذه الدروب الهالكة، بين البراكين الثائرة؛ رغم صعوبة الوصول، ورغم ما يكسوك من عرق؛ ما زلتِ قادرة على أكثر من ذلك.
لطالما أيقنتُ بأنني مميز، متفرّد عن البقية، ولا أحد يشبهني؛ هكذا كان فكري منذ نعومة أظفاري، وكان هاجسي منذ ذلك الوقت أن أجد من يشاركني المفاهيم نفسها والحوارات التي أسعى إليها.
مع مرور الوقت، أدركت أن أُنس الإنسان الحقيقي ليس ذلك الذي يأتي من وجود الآخرين من حوله، بل من اتساع إدراكه؛ فكلما اتّسع الإدراك ازدادت الأشياء جمالًا، واتخذ العالم معنى أعمق وأقرب إلى الحياة.
بقدر ما يزيد الوعي جمال الأشياء من حولك، فإنه يحمل في طيّاته جوانب مظلمة يصعب تجاهلها؛ كأن تنتبه لما كان من الأفضل ألّا تراه، وأن تقرأ ما بين السطور، وأن تُبصر هشاشة الأشياء رغم رونقها؛ فكما هو الحال مع ذات النعم، قد تكمن النقم.
تتزايد في الآونة الأخيرة حسابات تتقمّص شخصية الرجل الإيروتيكي؛ بينما واقعها لا يمتّ للأدب بصلة؛ محتوى ركيك بلا عمق وقائمة مضافين لا تخلو من الإناث؛ وهذا يعكس أن الجوهر أبعد ما يكون عن الرجل؛ فأرجوكم القليل من الوعي، لا تكونوا صيدًا لهم.
الأفكار هائجة، جامحة، لا يمكن إخضاع رياحها العَاتية؛ تتدافع في رأسي بسرعة لا يمكن إيقافها؛ وإن كنت سأنهار، فسأتشبّث بذكرى بسمة تنال محياها كل مرة تراني.
تبي تتأكد الدنيا باقي بخير؟ تعال دانكن دونات أول الصباح؛ وجوه مسفهلة؛ رائحة القهوة العتيقة؛ جودة وأصـالة بمعنى الكلمة بعيدًا عن ضجيج الترندات وهراءات الجيل الجديد.