هناك أرواح كريمة أودَع الله فيها بركة الحياة، خُلِقَت للبناء والعطاء، ترتقي بها النفوس، وترتفع بها الصروح، وتطيب بها البقاع، وتزدهر بها الحقول، تُؤثِر على نفسها في سبيل أن ترى إنسانًا ينمو، أو بناءً يعلو، أو نجاحًا يسمو، أولئك الذين يعدّون إضافة حقيقيّة وفارقة في كل مكان.🤍

إذا أردت التوفيق والفلاح، فاجعل النوايا الصافية شُعاعًا يُشرِق من روحك قبل كل خطوة تخطوها، فالدوافِع الطيّبة تجعل الأعمال تُزهِر بثمار الخير، وتُسخّر لها القبول في الأرض والسماء، فما ينبع من النفس النقيّة يعود لصاحبه مُباركًا، وينشر أثره الطيّب في زوايا الحياة.

أحبّ الطيّبين، الذين تظهر ملامح طيبتهم في تعاملاتهم العفويّة، وأخلاقهم التلقائيّة، الذين لا يحملون في قلوبهم مثقال ذَرّة من غِلّ أو حقد أو حسد، الذين يؤمنون أنّ الخير واسِع ويكفي الجميع، وأنّ الحياة تسمو بالرحمة والتسامُح والتواضع، هم بسمة الحياة وجمالها الصادق.

أجمَل الشخصيّات هي التي إذا جالستها شعرت بأنّك تُجالِس عوالِم زاخِرة بالعلوم والمعارف والثقافات المُختلفة، ترتحل معها إلى آفاق رَحبة، وأعماق فسيحة، وأفكار جديدة، وسماوات بعيدة، تلك هي الشخصيّات المُثقّفة الفريدة، الجلوس معها عبارة عن رحلة سفر ماتِعة ونافعة.

هناك أشخاص في رُقيّهم ارتقاء لغيرهم، وفي قوّتهم قوّة لغيرهم، وفي نجاحهم نجاح لغيرهم، وفي نورهم نور لغيرهم، تتجذّر في أعماقهم قِيَم العطاء والبناء، أولئك الذين يرتقي بهم كل بُنيان، ويسمو بهم كل مكان، وتزهر بهم الحقول وتزدان، وفي تمكينهم خير نافع في الأرض والسماء.

وجدتُ أنّ العُظماء حقًا هُم أكثَر الناس تواضُعًا وانبساطًا، لأنّ أعماقهم المُمتلئة ثقيلة ومليئة بالكنوز النفيسة، ولا يحتاجون لثيابٍ هَشّة من الخُيلاء والكبرياء ليُغطّوا نقصًا ما، فهُم كِبارٌ قَدرًا، ومكانةً، وأخلاقًا، ولم يزدهم ذلك إلّا رِفعة في الأرض والسماء.

لا شيء يزيد الإنسان جمالاً، ويُلبسه ثياب اللُطف والبهاء، مثل صفة الحِلم، فالإنسان الحليم ستجده هيِّن الطَبع، ليِّن التعامُل، رزين العقل، مأمون الجانِب، تطمئنّ له، وكأنّما وصفهُ الشاعر بقوله: "سَهْلُ الخليقة، لا تُخشَى بوادِرهُ يزينهُ اثنانِ: حُسن الخلق والشِيَمِ"

(الطمأنينة) مَطلبٌ ثمين، ومُرَادٌ عزيز، تُحَلِّق بالإنسان في آفاق السلام، وهي لا تستقرّ في أيّ نَفسٍ عبَثًا، بل تستوطِن النفوس الصادِقة، المُخلِصَة، النقيّة، التي لم تُؤذِ، ولم تعتَدِ، ولم تسلب أحدًا حقّه، ولم تبخس شخصًا قَدره، ولم تُسِئ لغيرها بقَوْلٍ أو فِعل.

هُناك أشياء عزيزة جدًا، لا تُبَاع ولا تُشتَرَى، ولا تُقَدَّر بثمن؛ طمأنينة تُحِيل عواصف الدهر إلى هدوء وسكينة، حكمة تُدَار بها الحياة برصانة ورزانة، رِضا يصنع من اللحظات حكايات سعيدة، سُموّ يعيش معهُ الإنسان برُقِيّ واعتزاز، سلامٌ تحيا معهُ الروح بسرور وحبور.

هُناك طمأنينة فريدة تسكن القلب المُتشرِّب بالرِضا والإيمان، ذلك القلب الذي وضَع آماله، وآلامه، وأحلامه، وأحماله، وأُمنياته، ورغباته؛ على أبواب بارِئه، سائِلاً إيّاه دومًا أن يأخذه إلى دروب الخير، ويُبعده عن دروب الشَرّ، فيسلك هذه الحياة بنعيم وسلام وهناء.

في ثقافتنا الراقية هناك كلمة من حروف معدودة تُعبّر عن ثناء كبير، ومدح جزيل، كلمة (والنِعِم) حين تتبع ذِكر شخص ما، هذه الكلمة لا تُشترى بأغلى الأثمان، ولا يستحقها إلا مَن تحلّى بالفضائل والمكارم والأخلاق العالية التي صنعت له سُمعة طيّبة تستحق الاحترام والتقدير.

نسأل الله بصِدق أن يهبنا (البركة) في كافّة الامور، فإنّها سِرّ من أسرار التوفيق والفلاح في الحياة، فمعها تغدو المسافات الطويلة قصيرة، والأمور العسيرة يسيرة، وتُحِيل الظلام نورًا، وهي مفتاح للأبواب المُغلقة، وبها تغدو الأيام مُشرقة، والخطوات فعّالة ومُنجِزَة.

" الرزق .. لا ينحصر في مال أو طعام .. فقد يكون في أصدقاء طيبين .. في طمأنينة وراحة بال .. في لقمة هنية ونومة مريحة .. في منظر يسر خاطرك .. في كلمات جميلة تقرؤها .. في كتف يربّت عليك .. في عطف أخ أو أخت .. في ابتسامة طفل .. في هدية من عزيز .. رزق الله أوسع من أن يُحد 🤍

الطيّبون، أصحاب النفوس الكريمة، والقلوب السليمة، والأرواح الطيّبة، هم عطايا الله لهذه الأرض، فكم يبعثون للحياة والأيام من فَيْض بهائهم نسائمَ عذبة من الهناء، والحُبّ، والنقاء، والجمال، وكم يرسمون على وَجه الزمن العابِس ابتسامات نديّة، نسألُ الله أن يُكثّر منهم.

سلامٌ على النقيّة قلوبهم، الكريمة أرواحهم، الذين يطمئن لهم الفؤاد وكأنهم أوطان آمنة، الذين تكون معهم كما أنت، لا يُشكّلونك كما يريدون، ولا يُقلّبون أفعالك كما يشتهون، ولا تجد معهم حاجة للتبرير لأنهم يفهمونك ويعرفونك جيدًا؛ هُم في الحياة عطايا رحمة من رب الرحمة.

لأنّ الطمأنينة عزيزة، ورِضا الضمير مطلب ثمين، وليس هناك أعظم من أن يغمض الإنسان عينيه وشعور السلام التامّ يغمره؛ فإنّهُ لا يظفر بهذه المكاسِب الغالية إلّا مَن يستحضر الله في كافّة أقواله وأفعاله، ويُعطِي كل ذي حقّ حقّه، ويكون ظاهره كباطنه، ويغدو منبعًا للخير.

عندما تقدر على فِعل الخير فافعَل، وعندما يضع الله في يدك عطاءً قد ينفع غيرك فلا تبخل، وعندما يكون بإمكانك إضاءة طريق، أو تشييد بُنيان، أو بناء روح، أو إقالة عثرة، أو بذل إحسان؛ فكُن مُبادِرًا ولا تجفَل، واعلَم بأن كل شيء يفنَى إلا الفِعل النبيل، والأثر الجميل.

مبتدأ ومنتهى حياتنا واحد، فجميعنا نولد من أرحام امهاتنا وننتهي في رحم أمنا الارض، وما بينهما أمور مُقدّرة و مُدبّرة: العمر، والصحة، والرزق. فتطمئن نفوسنا ونسعى بإتزان ورضا مدركين أننا لن نزيد عن ما كتبه الله لنا من عمر أو رزق، ولن يدفع عنّا احترازنا وحنكتنا مصيبة مقدّرة!

اللهم أمننّ عليَّنا بإبصار الطريق عند كل منعطف، ووضوح الرؤية عند كل اختلال، وارزق قلوبنا بَصيرةً تراك فيها فلا تحيدُ عن طاعتك، وتلحظُ نِعمَك فلا تنسى شكرك .

الموفق من يحرص في حياته على أن: لا يظلم أحداً، ولا يغتاب أحداً، ولا يجرح أحداً، ولا يرى نفسه فوق أحد فكلنا راحلون ويبقى الأثر .