كان صادقاً جداً، حتى يبس صدقه وتكسّر.

وجد نفسه وحيداً مع الكآبة، الكآبة التي عادة ما كانت تواسيه في المشهد الأخير من فيلم، و بعد الحب.

النوم يبحث عنك وأنت تهرب، تهرب لأن هناك أشياء أخرى تبحث عنك، وأنت تهرب.

ماذا يدور في ذهن شخص عالق في المصعد؟ تعثّر في الدرج،سيارته لم تعمل. التاكسي الذي ذهب معه تعطّل. وصل للبناية، فأختار المصعد انتقاما من الدرج.

هناك شيء واحد لم أستطع فعله: مسايرة هذا العالم، مجاراته كما يريد. حين كان يريدني أن احزن، اضحك أو اسخر، كنت أجاهد حتى لا أفعل ما يريد.

- كيف الحال؟ - خمّن.

في المصعد كان الشيطان ثالثنا، لكنه هرب على أي حال. لم يحتمل كل هذا العبوس، هذا الوجه المتقطّب كوجه الشيطان وهو هارب.

أمضى حياته كلها في محاولة اقناع المرآة بأنه ليس هو هذا الشخص الذي يراه.

- يومك تعيس؟ - ليس تماماً، لكنه ليس جيداً كفاية. - هل تود التخلص منه؟ - نعم، كيف؟ - قم بطيّ ورقة التقويم وعش الغد قبل البقيّة. - يا للبساطة.

الرجل الذي فرغ من كل شيء: اقلع عن التدخين، لم يعد يشرب القهوة، ينام قبل العاشرة مساءً، يستيقظ في الخامسة فجراً ، يحمل أكياس القمامة السوداء.

الرجل الذي فرغ من كل شيء: يقضي وقته في المشي، الاستماع لموسيقى الجاز، في الهروب من الناس، يأكل الفستق، ويحصي عدد الأموات في نشرات الأخبار.

الرجل الذي فرغ من كل شيء: يجلس في الحمّام وقتا أطول، ينسى هاتفه هناك، يغني بصوت قبيح، يفكر في تربية القطّة التي شردت من بيت جاره.

الرجل الذي فرغ من كل شيء: لا يخجل، يعرف أن خطاياه ذهبت مع الريح ، يلعب مع صغاره، ويكنس الشارع الصغير أمام منزله.

الرجل الذي فرغ من كل شيء: يخاف أن يموت ولم يستلم تقاعده، يتذكر يوم أبكاه والده اخر مرة، ويضحك.

الرجل الذي فرغ من كل شيء: كلب ينبح، ليطرد ظلّه.

- يا لك من ميّت. - أنا مريض ولست ميت أيها الأحمق! - انظر إلى الفراش الأبيض الذي أنت عليه. - مابه؟ - جعلوه أبيضاً حتى تعتاد عليه جثتك لاحقا.

ما يحدث في العالم يبقى في العالم، وأنا مالي.

ذهب بقطّته الصغيرة إلى صديقه الذي يملك قط حزين ووحيد، ياله من قـوّاد.

المصعد لا يعمل منذ البارحة. الزملاء يحاولون تخمين موضع الخلل وأحمقهم يجاهد في سبيل إقناعنا بأن المصعد تعطّل من شدّة الحزن.

حسابه المصرفي فارغ، فارغ من شدّة الحزن.