عندما بلغني خبر مقتل والدي، شعرتُ بألمٍ شديدٍ انفجر في رأسي، فشربتُ سبعاً. ولما صحوتُ، أقسمتُ ألا آكل لحماً، ولا أشرب خمراً، ولا أدهن بدهن، ولا أصيب امرأة حتى أدرك بثأري. ولو سألتموني: أيُّ هذه الأمور التي حرَّمتَها على نفسكَ كان الأقسى؟ أصارحكم بأنه (أنْ لا أصيب امرأة)!

واصلٌ حبلي بحبلكِ.. إني بحبلكِ واصلٌ حبلي وبريشِ نبلكِ رائشٌ نبلي ما لم أجدكِ على هُدى أثرٍ يقرو مقصَّكِ قائفٌ قبلي وشمائلي ما قد علمتِ وما نبحتْ كلابُكِ طارقا مثلي

معلقتي هي أعظمُ إرث ورثتموه من شعر القدماء؛ هي فاتحة الشعر العربي وعماد الأدب ومثاله الأعلى الذي يُحتذى به. كلما ازداد المنقبون بحثا في مناجمها، اكتشفوا مزيدا من الجواهر والذهب، فلا يكاد ينفد ما فيها من أشكال الحسن والجمال. لا تُهملوا معلقتي فتفشل لُغَتُكُمْ وتذهب ريحُ الكلمات.

أخطر مغامرتي نظرتُ إليها والنجومُ كأنَّها مصابيح رهبانٍ تُشَبُّ لـقُفَّالِ سموتُ إليها بعدما نام أهلُها سُمُوَّ حبابِ الماءِ حالًا على حالِ فقالتْ: سباكَ الله.. إنَّكَ فاضحي ألستَ ترى السُّمَّارَ والناس أحوالي؟! فقلتُ: يمينَ الله أبرحُ قاعدًا ولو قطَّعوا رأسي لديكِ وأوصالي

كان شعري عفوياً في التعبير عن خطرات قلبي ومكابداتي، ينساقُ بأنسام البوادي، ويتَّسم بصدق التعبير، وبساطة الأخيلة والتشبيهات بالرغم من الألفاظ التي ترونها غريبة، فقد جاءت تلك التشبيهات من البيئة المحيطة بي وكانت مفهومة في عصري. جمعتُ رقَّة الغزل وجزالة الفخر وفخامة الأنا الذاتية.

تمثلت لي الحياة في عدة لذائذ .. ركوب الخيل من أجل اللذة ، تبطّن الكواعب ، سباء الزِّق ، وركوب الخيل للكرّ في الحروب كَأَنِّيَ لَم أَركَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ ولم أَتَبَطَّنْ كاعِباً ذاتَ خِلخالِ ولم أَسبَإِ الزِقَّ الرَويَّ وَلَم أَقُلْ لِخَيلِيَ كُرّي كَرَّةً بَعدَ إِجفالِ

حينما أخذني التأملُ العميق في فكرة الحياة والموت، وجدتُني أنشد: أرانا مُوضعين لأمرِ غيبٍ ونُسحَرُ بالطعام وبالشرابِ عصافيرٌ وذِبَّانٌ ودودٌ وأجرأُ من مجلّحةِ الذئابِ!! فبعض اللوم عاذلتي فإني ستكفيني التجاربُ وانتسابي إلى عرقِ الثرى وشجتْ عروقي وهذا الموتُ يسلبُني شبابي

أحد أعظم أبياتي الذي قلته وساح في الأزمان والأذهان إلى درجة أنَّ الشطر الثاني منه أصبح مضربَ مثلٍ بين الناس دون أن يعرفوا قائله.. فهو هذا البيت الذي يعبِّر عن الخيبة التي أحدقتْ بي من كل الجهات مثل ذئبةٍ مسعورة: وقد طَوَّفتُ في الآفاقِ حتى رضيتُ من الغنيمةِ بالإيابِ

آه على تلك الطَفلة اللعوب. .لا تكاد تغادر ذاكرتي إلا إلى القلب ومِثلُكِ بيضاء العوارض طَفلَةٌ لعوبٌ، تُنَسِّيني إذا قمتُ سربالي إذا ما اسْتَحَمَّتْ كان فيضُ حميمِها على مَتنَتَيْهَا كالجُمان لدى الجالي لطيفةُ طَيِّ الكشحِ غير مُفاضَةٍ إذا انْفَتَلَتْ مُرتَجَّةً غير مِتفالِ

ما أرقَّ الوصال الحميم بعد ترويض القلوب الصعبة!! فلمَّا تنازعنا الحديثَ وأسمحتْ هصرتُ بغُصنٍ ذي شماريخَ مَيَّالِ وصِرنَا إلى الحُسنَى ورَقَّ كلامُنا ورُضْتُ فذَلَّتْ صعبةٌ أيَّ إذلالِ

جميعكم أصبتم كبد الحقيقة يا أحفادي. .إنه الحال وليس الخيال.

وإنّ شفائي عَبْرَةٌ مُهَراقَةٌ فهل عند رسمٍ دارسٍ من مُعَوَّلِ؟ كدأبكَ من أمّ الْحُوَيْرِثِ قبلها وجارتِها أمّ الرَّبابِ بِمَأسَلِ توهّمتُ أن البكاء على الأطلال هو شفاء من علّة الفراق، ولكن الأطلال لا يُعوَّل عليها. وبقي حظي من كل حبيباتي حظا واحدا ملؤه المعاناة والألم والهجر.

بلغني أنَّ الجاحظ ينسب إليَّ ممَّا سمع أننَّي سُئِلت: ما أطيبُ عيش الدُّنيا؟ فقلتُ: مطعمٌ شهيّ، وملبسٌ دفيّ، ومركبٌ وطيّ. العبارة جميلة ولكن لا أخفيكم أنني مرتاب في نسبتها لي، ويبدو أنَّها من مخيلة الرواة لأجل التسلية.

أزجي شكري لجريدة عكاظ التي أجرت معي هذا الحوار، وقد أجبتها بشعري. عكاظ سوق عكاظ okaz.com.sa/article/1743650

روى الجاحظ في كتابه البيان والتبيين فقال: وأنشد رجل عمر بن الخطّاب، رحمه الله، قول طرفة: فلولا ثلاثٌ هنَّ من عِيشةِ الفَتَى وجَدِّك لم أَحفِلْ مَتَى قامَ عُوَّدي فبماذا علَّق عمر؟ =

= فقال عمر: (لولا أن أسيرَ في سبيل الله، وأضعَ جبهتي لله، وأجالسَ أقوامًا ينتقون أطايبَ الحديث كما ينتقون أطايبَ التَّمر، لم أبالِ أن أكونَ قد مُتُّ).

وذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين: (ومن الشعراء من يُحكم القريض ولا يُحسن من الرَّجَز شيئًا.. وأمّا من يجمعهما فامرؤ القيس امرؤ القيس وله شيء من الرَّجَز، وطرفة وله كمثل ذلك، ولبيد وقد أكثر). القريض يكون في الشعر المحكم المُجوَّد. الرَّجز يعني وزنه ويكون في الشعر المرتجل.

أَيا سيِّدي نجرانَ لا أُوصِيَنْكُما بنجرانَ فيما نابَها واعتَراكُما فإِن تفعلا خيراً، وَتَرتَدِيا بِهِ فإنّكما أَهلٌ لِذاكَ كِلاكُما وَإِن تكفِيا نجرانَ أَمرَ عَظيمَةٍ فَقَبلَكُما ما سادَها أَبَواكُما وإِن أَجلَبَت صهيَونُ يَوماً عَلَيكُما فإِنّ رَحى الحَربِ الدَكوكِ، رِحاكُما

إذا قُلتُ: هل يَسلُو اللُّبانَةَ عاشِقٌ؟ تمُرُّ شُؤُونُ الحُبِّ من خَولَةَ الأُوَلْ #سؤال_يقتلني

خَليليَّ، لا واللَّهِ، ما القَلبُ سالمٌ وإن ظهرَت منّي شمائلُ صاحِ وإلا فما بالي، ولم أشهَد الوغَى أبيتُ كأنّي مُثقَلٌ بجِراحِ؟! نحن نعرف أنَّ الشمائل تعني الصّفات والطّباع ولكن ما مفرد (شَمائل) في البيت الشّعري؟