. بدا الأمام كبيرا أمامي، وبدا الخلف ورائي أكبر، وأنا بينهما لا أُشبه خطوتي.. لقد وعدَتني بالمزيد مني، لكنها توارت في زحام السكك تلك المحطة اللعينة. تخففتُ كثيرا ولمّا أصل أنا كل حقائبي

تؤلمني كسور نوافذك وكأنها قلبي، أخاف على أحلامك وإطلالات أخيلتك واصلي التطلع من فضلك، واصلي الحلم والمدى،من أجلك ومن أجلي أنا البعيد عنك واسمحي لي أن أمرر ههنا شيئا من قلبي: واصلي تذكري،احفظيني عميقا في خبيئتك العزيزة، حيث تستقر أوراقك المغتبطة بقربك بعيدا عن متناول الريح والعالم

. أتعرفين؟ أنوي الكتابة عنكِ يوما على حقيقة حزني، لم أكتبكِ حتى الآن أو لم أكتبكِ كما يجب. ما الذي أنتظره؟ أنتظر هدأة النبع وقرار اضطرابه، فإذا ما رقت صفحته واستكانت مرآته، مررتُ أصابعي على وجهكِ وكتبتكِ كمن يعرف الطريق إلى حزنه!

. -ثم أيها الساحر الأزرق، أين خبأت خيالك؟ وأي صولفيج ذاك الذي انتظمت فيه نجومك؟! أيها الساحر الأزرق، هلا أخبرتني.. -خبأتُ أطواري وممتلكات أخيلتي كلها في قبعة! سكيتش/رسمتي

. أكرر منذ عهد لا أذكر له بداية ولا ألمح له مطلعا: أنني تغيرت، أفتقد نفسي وما كنت عليه. أكرر ذلك دائما. أتساءل متى كنت تلك النسخة التي أشتاقها دائما؟ وهل كُنتها يوما؟ وكأنني أُقلب مطلعا لا أستحضره، حلو المذاق في ذاكرتي عن قصيدة لا أذكرها!

. أحمل عُدة أخيلتي وأمضي، مصحوبا بذكراك العزيزة، وبيمامات تعودت مرافقتي منذ هديل بعيد يعود لسلام كان في صدري، حتى لقد اعتاد قلبي شَجوها ورفيفها. أمضي وألتقط الأحلام والصور لهواجس الحب والأحلام والمطر

. في سياق له عن السخرية العلنية غير المبررة، يصف أنسي الحاج (في شذراته) هذه الظاهرة ب "أغتياب في صميم الحضور" ويصف أصحابها:  "هذا النوع التافه من (المتمسخرين) هم بين ما يُنفر من السخرية، مع أنها، لو جاءت في محلها، أخلاقية نبيلة!"

. جلسنا والنجوم تُهيئ الليل للأسمار والأخيلة، نُحصي أطفال الملائكة وهي ترعى الحب على تخوم الخلود. وبينما راحت أصابعكِ تُشير إلى ترقرق النوتات في سلالم المدى، راح النسيم يُشير إليّ بشعركِ، بخفة تَموسقت لها نفسي. تأملتكِ وكأنني منذ عهود لم أبتسم!

. أمي كانت تحب الله والفل الدمشقي. أبي كان صانع حلوى وصانع ثورة. وأسرتي كانت تحترف العشق. ويصف مولده في بيتهم الدمشقي الأول بأنه كان على سرير أخضر. نزار قباني، بتصرف

. هذا لون الرحلة وهذا اضطرابها، سعي شره، محفوف بكل ما يتصل بالتيه والضياع والقلق. ما شكل الوصول إذن، وكيف يبدو؟ أحقيقٌ هو بكل هذا؟!

. وسط امتلاء النفس واختلاج الذاكرة، كم تبدو البداية حلما شهيا وكم يطيب للنفس التلذذ بوقعها، كسطح نبع تثيره القطرات الأولى للمطر. أريد بداية جديدة لا تُبقي على شيء، ولا ألتفت فيها إلى ما كان مني!

. أحتاجُ نسيانا لا يُبقي إلا على أمي في ذاكرتي

. لكِ نبرة أعرفها، رقراقة مُنسابة كنهر يُعبِر للمروج عن عذوبة نفسه. هي طور من أطواركِ المحببة. نبرة أبلغُ للقصد وأتمُ للمعنى من كثير الشرح والاستفاضة. أحمل ما يتفرق من كلامك في تهاديها باطمئنان إلى مقصدك. هذا وما زلتِ تصرين أنني لا أفهمك!

. لم يزل هناك ينتظرك عند البحر الذي لم يعلمه الغرق فيه معنى النهاية، وأنك الأعماق التي لن ترى النور أبدا. يغوص في أحلامه والكوابيس تصطخب، بحثا عن ذلك البريق الذي اشتد حتى تبلور وتكاثف، ثم سقط من صدره كلؤلؤة.

أنا بخير!

. الكتابة إليك تعيد إلى قلبي ما يغيب عنه من سحر الكتابة وذلك الضوع الذي ينجم عن تبادلها. قبس من عناق وأثر لقبلة، بياض تُؤثثه الكلمات، وولوج إلى النفس من أزهر المداخل! والكتابة عنك شيء من التصوف وشيء من المسرة وأشياء من الشجن!

أنا سعيد!