أخافُ لقاءَنا... أخشى صباحاً يُبعثرُ ما عهدتُ منْ حنينِكْ وأخشى أنْ أراكَ ولا تراني وأنْ أبدو غريباً في عيونِكْ وأخشى أنْ يكونَ الصمتُ حرفاً يُغيّرُ ما ألِفتُ منْ وجودِكْ وأنْ تمضي بلا حتّى سلامٍ كأنّي لمْ أكنْ يوماً بكونِكْ

يولدُ حُبُّكِ مع كلِّ شروقٍ جديد كما لو أنّ الشمسَ لا تشرقُ للعالم بل لقلبي فكلُّ صباحٍ يُعيدني إليكِ

بَقَايَا حَنِينٍ ضَلَّتْ فِي قَلْبِي وَذِكْرَى حَبِيبٍ تَطُوفُ بِدَرْبِي هُنَاكَ رَسَائِلُكَ تَحْيَا بِقُرْبِي فَبَعْضٌ تُعَاتِبُ وَبَعْضٌ تَبْكِي

تُغريني بالوَصْلِ حينًا، ثُمَّ تَهجُرُني طَويلًا أَأَنتَ حَبيبًا أم مُتَلاعِبًا أم عاشِقًا أَنهَكَهُ العِشق؟

بل أنا تائهٌ بينَ نارَينِ: قُربٌ يُحييني، وهجرٌ يُفنيني كلّما دنوتُ، اشتعلَ في صدري الشوق فلا القُربُ يُطفئني، ولا البُعدُ يُنجيني أرغبُ في الاقترابِ، ولكنّي أُحسنُ الهجر كأنّي عاشقٌ أنهكَهُ الحنين، وأتعبتْهُ المواجع.

أَنْتَ تَدْرِي مَا بِقَلْبِي وَأَنَا أَدْرِي وَأَعْلَمْ أَنَّ قَلْبَكَ مِثْلَ قَلْبِي يَشْتَهِي قُربًا وَيَحْلُمْ لَيْسَ لِلْعُشَّاقِ سِرٌّ مَنْ رَآنَا سَوْفَ يَعْلَمْ أَنَّ فِي عَيْنَيْنَا بَوْحًا لمْ يَعُدْ يخْفَى وَيُكْتَمْ لمْ يَعُدْ حُبُّكَ سِرًّا إِنَّمَا قَدْ صَارَ جَهْرًا

يليقُ بكِ أن تُربكينني بنظرةٍ عابرةٍ تزلزلُ كياني يليقُ بحضورِكِ أن يربكَ كلَّ موازينِ عالمي

لِماذا أُحِبُّكَ قُل لي لِمَا سلَبتَنِي قَلبِي أَمْ سَلَبْتَ الرُّؤَى جَمِيلاً بِعَيْنِي وَكُلُّكَ عُيُوبُ تَصُدُّ وتَجفُو وَتَنْسَى الوَفَا تعَوَّدْتُ مِنْكَ جَفَاءَ السِّنِين وَعَوَّدْتُ رُوحِي علَى مَا تَشَاء عَجِيبٌ هوَاكَ وَأَعْجَبُ مِنْهُ تَمَسُّكُ قَلبِي بِوَهمِ اللِّقَاء

أفتقدُك نعم لكن هذه الكلمة هَزيلة، ضَئيلة، لا تَسَعُ حجمَ الخرابِ الذي تركه غيابُك في رُوحي لا تكفي لوصف تلك الفوضى التي خلّفتها خلفك

لِيَأتِ غَـداً حَامِلاً بَسْمَتَكْ وَيَمْحُـو جِراحَ السِّنيـنِ الطِّوالْ وَأَسْمَـعُ فيـهِ حَديثَـكَ الَّذي عَشِقْتُـهُ عِشْقـاً يَفوقُ الخَيـالْ وَأَلْمَـحُ فيـهِ عَيْناكَ الَّتي تَجْتـاحُ روحي دونَ كَـلامْ

ثُمَّ ماذا بَعدَ هَجرِكَ يا حَبيبي؟ أيُّ شَيءٍ بَعدَ فَقدِكَ يَستَمِرُّ؟ فالذِكرياتُ تُميتُني وتُحيِيني لا الليلُ يُؤنِسُني ولا صبحٌ يَسِرُّ

لم أرد أن يكون حُبك حُبًا عابِرًا إنما أردت أن أستهلك عُمْري فيه حبًا يجعل قَلبي أسيرًا لك، وعَينيّ لا ترى سِواك أن نَكْبُر معًا ونَشِيب سوياً

لَسْتُ أَدْرِي مَا اعْتَراني لَحْظَةُ اللِّقِياءِ فِيكَ كُلُّ حُسٍّ مِنْ حَواسِي وَدٌّ لَوْ يَأْتِي إِلَيْكَ رُبَّما السِّرُّ خَفِيًّا رُبَّما السِّرُّ عَيْنَكَ أَوْ لَعَلَّ القَلْبَ أَضْحَى عاشِقًا مَفْتُونًا فِيكَ

يَطيبُ لي أن أُسرِفَ في وَصفِكِ فإنَّكِ أجَلُّ مِن أن يُحيطَ بِكِ كلامٌ يَسير وأرْفَعُ مِن أن يَحويكِ بيانٌ ضَئيل فَوَاللهِ إنَّ القياسَ عَليكِ لمَذَمَّةٌ والاقتِصادُ في وَصفِكِ لمَنقَصَةٌ والاختصارُ فيكِ جريمة لغويّة لا تُغتفر فكيفَ يَليقُ بِمحاسِنِكِ وَصفٌ مُختَصَر؟

من لي إِذا حلَّ الظَّلامُ وَأَقبلا إِلّا هواكَ يُضيءُ دَربي المُغلَقا من لي إِذا ضاقَت عَليَّ معيشَتي وَغَدا زَماني بِالهُمومِ مُثقَّلا من لي إِذا هاجَ الحَنينُ بِأَضلُعي وَالكَونُ صارَ لِلَوعَتي مُستَضيقا من لي وَقَد شابَ الزَّمانُ بِحُبِّكُم وبِعِشقكُم قَلبي تَرعرَعَ وَارتَقى

اضطررتُ أن أختار الرَّحيل لأني إن بقيتُ سَأفقدني لكنهُ غِيابٌ لا يُشبهُ الحُرّيّةَ ولا يُشبهُ النَّجاةَ إنّه مُجَرَّدُ نَفْيٍ طَوْعِيّ أَختَبِئُ فيهِ من حُبٍّ أَكبَرَ مِنّي

تَعالَ نُعيدُ لِلأَحْرُفِ رُوحاً نُحَرِّرُ ما كَتَمْتَهُ شَفَتَيْكْ فَإِنَّ الوَجْدَ في صَدْري ثَقيلٌ وَإِنَّ الرُّوحَ مَلْهوفَةٌ إِلَيْكْ

ولعلَّ في لُقيانا هدوءٌ لهذا الصخبِ الذي يلتهمُ أيامي

اعلمي يقينًا أن حبُّكِ لم يكن عاديًّا كان أعظمُ من أن يحتمله قلبٌ بشريّ أوسع من حدودِ صدري كنتُ أحمله في داخلي كأنني أحملُ مجرةً بأكملها كادت تنفجر أقسمُ أنني أحببتكِ كما لم يُحب أحدٌ من قبل

مُنذُ متى استعارَتني مَلامحُكَ وطِباعُكَ؟ مُنذُ متى أصبَحتَ ساكِناً روحي؟