ثمة وجع لا يُرى… يسكن قلبي كلما التفتَّ لغيري، كلما شاركتَ ضحكة لم أكن فيها. أُخفي وجعي خلف نظراتٍ هادئة، وأتظاهر بأن لا شيء يُربكني، لكن بداخلي نارٌ تأكلني على مهل، ولا أحد يشعر. أراك… فأبتسم، وفي داخلي تنهار أشياء كثيرة، ولا تعلم

أنا وأنتِ كفراشتان، نحلق في فضاءٍ واحد، نرقص فوق الزهر، ونختبئ في الضوء، نلتقي في لحظاتٍ خفيفة، لكن أرواحنا تتلامس أكثر من الأجنحة. نطير بعيدًا عن الضجيج، عن كل ما يُثقل القلب… فأنا منكِ، وأنتِ منّي، كأن الهواء لا يحملنا… بل يجمعنا

يشبه الإنسانُ المحيط… تراه هادئًا، صافياً، وتظن أنك تعرفه، لكن ما إن تقترب من أعماقه، حتى تُفاجأ بما يُخفيه. فكما للمحيط زُرقة تخدع، للقلوب وجوه لا تُرى. تحت الموج يكمن الحزن، تحت الابتسامة يكمن الانكسار. كلاهما يحمل أسرارًا، وصمتًا… لا يُفهم إلا بالغوص

منذ أول قبلة، شعرت أن شيئًا في داخلي استقر، كأن العالم توقف للحظة ليمهّد لنا طريق اللقاء، وفي عينيك رأيت أحلامي التي لم أجرؤ يومًا على البوح بها، كان دفء شفتيك وعدًا خفيًا، أنني لن أضل بعدك أبدًا، ومنذ تلك اللحظة، علمت أنك لستِ مجرّد حب، بل وطن، وملاذ، ونصفي الذي اكتمل بك

اعتدت أن أعيش حياتي دون أن أمنح ثقتي لأحد، كأن الثقة ترف لا يليق بي، كل شيء قابل للخذلان… إلا أنا

أحببتُ أنها احتوتني كأنني من قلب عائلتها، بلا شروط ولا مسافات. أحببتُ أنني الوحيدة التي تفتح لها قلبها، رغم صمتها الطويل ونفورها من الكلام. أحببتُ أنها تضع بين يديّ أسرارها التي تخفيها عن العالم، وكأنها تجد الأمان في عينيّ. وكنتُ الوحيدة التي همست لها الدفء ،يكفيني أنكِ لي

ثمة شيء غريب يتحرك في أعماقي، كأن عاصفة من المشاعر اجتمعت دون موعد. بين خوفٍ يتسلل في هدوء، وهلَعٍ يطرق صدري بعنف، وبين سعيٍ لا أعرف وجهته… تائهٌ أنا في داخلي. أفكاري تتصارع، وقلبي كأنه ميدان معركة لا تهدأ. أشعر بدوارٍ يربكني، وكلماتٍ عالقة في حلقي كغصّة… لا أملك لها مخرجاً.”

أضيع بين ظلال الخوف، وتاهت قدماي عن الطريق، كأن الأرض من تحتي غريبة والسماء بلا نجوم.

تتخبّطني المخاوف، وأمضي في دروب التيه، لا أرى لي سبيلاً ولا أعرف وجهتي.

اتفقنا أن نلتقي على فنجانين من القهوة المُرّة، نحكي فيها عن هموم أرهقت أكتافنا وطال مكوثها في صدورنا. وحين التقت أعيننا، تغيّر كل شيء… صار طعم القهوة حلوًا، وتبدّدت الأحزان كما يتلاشى الرمل بين الأصابع، لتحلّ مكانها ضحكات دافئة تشبه العزاء الجميل بعد طول وجع.

تلك الأرواح التي تمشي على أطراف الوجع، تتجرع الصمت كأنه فنجان عزلة، وتنهض كل مرة، وكأنها لم تنكسر

ما إن لامست عيني صورتها حتى ارتجف الوجدان، كأنّ نورًا من السماء تجسّد أمامي، لا يُحاكيه ضياء ولا يُشبهه سنا. تلاشى الألم كما يتلاشى الليل عند انبثاق الفجر، وغمرتني سكينة، كأنّ الهمّ لم يكن

عالق في متاهةٍ تتشابك طرقاتها وتضيع فيها خُطاي، غارق في بحرٍ لا يظهر له قاع، ولا تلوح فيه نجاة. لا أنا قادر على الغوص أكثر، ولا أملك القوة للصعود… كأنني مُعلّق بين زمنين، لا أنتمي لأيٍّ منهما.

دوارٌ ثقيل يحفر في رأسي كما لو أن أفكاري تنبش جمجمتي بمخالبها. أرهقني التيه في دروب التفكير العقيم، حيث أركض وراء اللاشيء وأغرق فيه. لم أعد أجد طعماً لشيء، كأن الحياة فقدت نكهتها

أشعر أنني أبهت شيئًا فشيئًا، كأنني ظلّ عابر في حكاية لم تعد تخصني. لم أعد أحتمل هذا البقاء المتآكل… هناك من جاء، واحتل مكاني بهدوء، كأن وجودي لم يكن. كل التفاصيل التي كانت لي، باتت تُقال لغيري. أفكر بالرحيل، لا لأنني أريد، بل لأن قلبي ما عاد يحتمل مرارة التبديل.