منذ نحو أربعين يومًا افتقدتهم، وغابوا عن عيني ولكنهم ما غابوا عن قلبي لحظة… واليوم، فجأة، زاروني في مقر عملي، فارتجف قلبي من الفرح، وكأن الحياة عادت إليّ من جديد. اللهم كما أعدت لي فلذات كبدي، أعد كل غائبٍ لأهله، واجمع شمل كل أب بأبنائه.

اليوم الثامن عشر لإضرابي عن الطعام لأجل غزة وأطفالها. ثمانية عشر يومًا ولم يذق جسدي طعامًا، لكن قلبي لم يتوقف عن الصراخ. أضرب عن الطعام لأن صمت العالم أشد مرارة من الجوع أضرب لأن أطفال غزة لا يجدون ما يسدّ رمقهم، بينما تتخم موائد العالم.

مشاهد وداع الأطفال عند استشهادهم من أصعب المشاهد.. أين الضمير الانساني في هذا العالم؟

مئات الآلاف من العائلات في قطاع غزة بلا طعام، ولا غاز طهي منذ شهور. تضطر النساء إلى الطهي على الحطب، أو الورق، أو قطع النايلون والبلاستيك، إن وُجدت. تحوّلت أبسط وجبة إلى معركة مع النار والدخان، وهناك من لا يملكون لا غازًا، ولا حطبًا، ولا طعام.

اليوم الواحد والعشرون لإضرابي عن الطعام، لأن المساعدات لا تدخل إلى غزة بطريقة إنسانية، ولأن العالم ما زال يقبل أن تصلنا الفتات عبر طريق الإهانة والدم. جوعي ليس إلا صرخة في وجه هذا الصمت، حتى يدخل الطعام والشراب والدواء من أبواب الرحمة، لا من مظلات الخطر.

ثقافة المقاطعة من داخل غزة ضرورة ملحّة لإنهاء حالة الاحتكار وغلاء الأسعار. بعد دخول بعض الأصناف إلى السوق بأسعار فلكية، قاطعوها، وسنُجبر التجار والباعة على خفض الأسعار حتى لا تبقى مكدسة في مخازنهم. قوت يومكم سلاح بأيديكم… فلا تسلّموه لمن يستغل حاجتكم.

اليوم الثاني والعشرون لإضرابي عن الطعام، وما زالت سياسة إدخال المساعدات شحيحة جدًا، ولا تلبّي الحد الأدنى من احتياجات السكان.

يا عالم… حي الزيتون شرق وجنوب مدينة غزة يُمحى عن الخريطة أمام صمتكم. خمسة أيام متواصلة من القصف الحربي والمدفعي، حيث أكثر من 320 بناية تحولت إلى ركام، وعشرات الآلاف من المدنيين يسيرون نحو المجهول، حفاةً، جائعين، وقد تركوا خلفهم كل ما يملكون.

أهلي وأبناء شعبي إن متُّ اليوم… فلا تكتبوا على قبري "شهيد"… بل اكتبوا: "هنا إنسان تُرك وحيدًا في مواجهة الموت… هنا قتله صمت العالم قبل أن يقتله الصاروخ. هنا توقفت أنفاسه لأن القلوب صارت حجارة، والعالم اختار أن يغلق عينيه."

أمامـي بداخل مشفى المعمداني امرأةٌ تصرخ بحرقة، وقد فقدت طفلتها البالغة من العمر تسعة شهور، بعد أن انتظرتها أربع سنوات من الشوق والأمل. استشهدت الطفلة جراء قصفٍ إسرائيلي استهدف منزلهم في منطقة الزيتون شرق مدينة غزة. غزة يا وجع القلب

أيّها العالم، ما يجري الآن في حيّ الزيتون هو تكرار لبدايات ما حدث في شمال قطاع غزة. إن لم يتحرّك الجميع فورًا، فنحن أمام جريمة قتل جماعي تُهدِّد أكثر من مليون مواطن، وقد بات مصيرهم مجهولًا.

أمنية سكان قطاع غزة: أقصى أُمنية اليوم لكل مواطن هو أن يحصل على أبسط مقوّمات الحياة: ماء نظيف، لقمة خبز، دواء يخفف الألم، وسقف يحمي من برد الليل وقصف النهار. هذا هو واقع غزة الآن: شعب يتمنى ما يعتبره العالم أبسط حقوق الإنسان.

احتلال مدينة غزة لا يعني مجرد سيطرة عسكرية على بقعة جغرافية، بل يحمل أبعادًا إنسانية وسياسية وأخلاقية خطيرة. فهو يعني ارتكاب مجازر وجرائم واسعة بحق المدنيين كما حدث في شمال وجنوب القطاع، وتهجير السكان أو إجبارهم على النزوح الجماعي.

احتلال مدينة غزة يعني انهيار المنظومة الخدماتية كالمستشفيات والدفاع المدني والبلديات. باختصار: احتلال غزة ليس حدثًا عسكريًا فحسب، بل كارثة إنسانية وتاريخية، ومحاولة لاقتلاع مدينة كاملة من أهلها وروحها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية تحت سلطة الاحتلال.

من يصمت على التهديد باجتياح غزة، يصمت على إبادة جماعية معلنة على الهواء مباشرة. صمتكم اليوم هو خذلان للإنسانية كلها.

"نناشد الشعوب الحرة، المنظمات الإنسانية، والأصوات الحية في العالم لا تنتظروا حتى تُعرض صور الضحايا على الشاشات. تحركوا الآن، وأوقفوا هذه المجزرة قبل أن تبدأ.

"لا توجد منطقة آمنة في غزة، لا في الشمال ولا في الجنوب؛ فالقصف يطارد الناس في بيوتهم، وفي مراكز إيوائهم، وحتى في خيامهم. غزة بأكملها تُستهدف، وسكانها بلا ملجأ ولا حماية، فيما تتسع الكارثة الإنسانية ساعة بعد أخرى." #مدينة_غزة_تُباد

أيها العالم، منذ فجر هذا اليوم وحده، قُتل في قطاع غزة 92 مدنيًا حتى اللحظة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل. اثنان وتسعون روحًا أُزهقت في ساعات قليلة، بينهم أطفال ونساء وشيوخ. نسألكم بضمير الإنسانية قبل لغة السياسة: هل يستحق هؤلاء أن يُقتلوا؟

لقد سقط القناع، وكشفت أبعاد المؤامرة فبعد أربعة أشهر متواصلة من سياسة التجويع الممنهجة، ومحاولات الاحتلال الإسرائيلي إنكار وقوع المجاعة، يثبت الواقع اليوم أنّ غزة تعيش مأساة المجاعة بكل تفاصيلها، وأنّ إسرائيل تمارس التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين.