أحيانا حين تصمت أو لا تبادر ولا تفعل، في اللحظة التي تشعر أنك لن تأتي بما هو جميل، هنا أنت في الواقع فعلت شيئا ثمينا ولم تقف دون فعل. يكفي أنك لم تنشر القبح، أي من جهة أنت قللت من بشاعة العالم، فالجمال ليس فقط في فعل الجميل بل أيضا في ترك القبيح، ثمة جماليات حتى في الترك والتخلي.
هناك شيء من الطهر النفسي يعتريك بعد أن تمر بتجربة حزن، الشعور بالألم أحيانا يفضي إلى نقاوة روحية.. فبعض الأحزان تهذّب النفس وتزيل غشاوة الروح، يصبح الإنسان معها أرهف حسا وأذكى قلبا.. الحزن في النهاية هو شكل من أشكال الاقتراب من النفس والشفافية مع الروح.
كل حالة شعورية قصوى تبعث على التأمل العميق في الحياة، ثمة شكل جذري من التفكير يلازم انفعالاتنا النفسية الحادة.. حين تجتاحنا عاطفة ما هي بمعنى ما تدعونا للتوقف، للتساؤل، لمراجعة وجودية.. بعض المشاعر تنفذ إلى جزء عميق من نفسك فتحركه بعد أن كان راكدا.
من العبث أن يُعالج الخواء الروحي بمزيد من الإشباع الجسدي، هنا إقفار للروح وليس إثراء لها.. الانغماس في الملذات الحسية هو إيغال في فراغ الروح وتوسيع لوحشة النفس.
رحابة النفس هي رحابة فكر.. وسيع الصدر هو بالضرورة إنسان واسع العقل، عميق الفهم، يُبصر الاحتمالات ويستوعب أبعاد الأمور.. أما ضِيق النفس فهو في الأصل ضِيقُ أفق، ضحالةٌ في التفكير.. ضيّق الصدر هو إنسان محدود الرؤية لا يتقبل ولا يعذر لأنه لا يفهم..
الحضور الدائم هو ضرب من الغياب.. أحيانا البعد هو إثبات وجود، وهذه مفارقة، ثمة أشياء تُثبت حضورها بغيابها، القرب الشديد يلغي وجودية الشيء، يجعل الشيء منسيا ومهملا.. من هنا فالقليل من الابتعاد هو شكل من أشكال القرب، طريقةٌ في التواجد.. أحيانا البعد الحسي دافع للقرب الروحي.
رمزية البيت في حياة الإنسان عموما بالغة المعنى، البيت ليس مجرد بنيان، هو حشد من الذكريات والمشاعر والآمال.. حين يتهدم بيت يتهدم معه جزء حميم من روح الإنسان، رؤية البيوت بهذا الشكل هو أحد سلسلة المآسي الموجعة التي يعيشها أهل غزة.. الله يفرج عنهم ويعوضهم وينتقم من عدوهم عاجلا يارب.
فيه شيء من الرداءة غير الملحوظة تتسرب إلى المرء حين يدمن متابعة ماهو تافه ورديء.. شيء يؤثر في نمط مخفي من نفسه، ربما لا يلحظ بدقة آثاره ولا مظاهره، ولكن من هنا تكمن خطورته، أنه تأثير أعمق من أن يرصد، شيء ينفذ إلى أصالة الروح، ويؤثر بعيدا على المستوى الوعي واللغة وطريقة التفكير.
ثمة حالات حين يفقد الشيء ألفته في نفوسنا يصعب أن يستعيدها، بل ربما يغترب أكثر من ذي قبل.. بعد الألفة تصبح غربة الشيء أشد وحشة، ربما لأنه خذلنا واستنفد فينا كل طاقة الألفة فلم يبقى له إلا شعور الاغتراب والتنكر.
لابد تؤمن بفكرة انه في حالات كثيرة لازم تجاري اللي قدامك بالكلام، ومهو لازم تظهر قناعاتك.. في حالات أنت في مقام تمضية الوقت وتبادل الكلام لمجرد الكلام، ولست في مقام إثبات موقف وإبراز قناعات.. فهم هذه الجزئية من أبواب راحة البال.
من أفعال الخير المغفول عنها في المجالس والاجتماعات أن تساهم في رفع الحرج عمن وقع فيه، أو تساند ضعيف الموقف، أو تحاجج مع صاحب الحق المغلوب.. مثل هذه الأفعال تدل على نبل ونباهة، وهي وإن كانت بسيطة الفعل إلا أنها كبيرة المعنى في نفس من يتلقاها.