إيران تحبس أنفاس العالم. مَن كان ليقول قبل ٤٥ عاماً! دولة الرجل الغريب، صاحب اللحية البيضاء، الذي وقف العالم حائراً في شأنه: مَن عساه يكون! يقف فوكو وجيش مِن الفلاسفة، غرباً وشرقاً، دهشة.
لخّصها هيكل: 'رصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرّت في قلب القرن العشرين'.
في حمى الرحمن...

لِمَ ينشر العدو مشاهد غاراته على قرانا وعلى المقاومين؟ ليراها الناس داخل مجتمعه، فترتفع معنوياتهم.. وليراها الناس عندنا، فتنخفض معنوياتهم. لِمَ يعيد البعض بيننا نشرها؟! (العدو يحظر نشر عمليات المقاومة). أيّ شخص تفيده مشاهدة قصف بلاده وأهله يوميّاً؟ ليت تعمم الفكرة وتناقش...

الغدرُ في الحرب ليس كأيّ غدر. الطعنُ في الظهر ليس كأيّ طعن.. وفي أيّام الحرب أفظع. تسالمت الأمم على ذلك. شُدّدت العقوبات في كلّ قوانين العالم عند ذلك. أبداً لا ينسى المرء مَن ألحق به أذى وهو في مِحنته.
شرّير مَحض كلّ مَن يَعمد إلى تشتيت المقاومة هذه الأيّام، وذاكرة الحرب حديد...

يا الله، كيف نُصبح فجأة نرى الأشياء غير الأشياء. كيف يُجلجِل وجداننا لِمشهد كُنّا بالأمس نراه عابراً. كيف تصير روابينا شادية بعد علمنا أنّها أبداً صامتة. كيف تطلّ الحياة برأسها مِن الجماد. كيف نعي الآن منطق الطير ولسنا بسليمان.
يا طير الجنوب، يا حبّ الجنوب، بروحي تلك الأرض...

كان لافتاً الأثر القرآني طوال أيّام هذه الحرب. ليس كنصّ يُقرأ، بل كثقافة وأسلوب حياة. ذاك الفهم الذي يُقرّب أصحابه مِن الحكمة ويُصبّرهم ويبثّ الروح، أي يحفظ إنسانيتهم، إلى جانب جعلهم أصلب مِن الصخر شجاعة وبأساً.
كأنّ هذه الأيّام تُعيد إحياء القرآن، إنما ليس للمستشرقين، بل لأهله.

'قالوا أتى العيد ماذا أنتَ لابِسُه
فقلتُ خلعةَ ساقٍ حبَّه جرَعا
فقرٌ وصبرٌ هما ثوباي تحتَهُما
قلبٌ يرى ربّه الأعيادَ والجُمَعا
الدهرُ لي مأتمٌ إن غِبتَ يا أملي
والعيدُ ما كنتَ لي مرأى ومُستَمَعا'
.
(أبو الحسين النوري)

ما كان ليكون لنا بقيّة عيد لولا هؤلاء الذين ظلّوا قابضين على جمر سلاحهم. ماء وجوهنا التي حُفِظَت...
ولذوي الشهداء، للذين غيّبت عنهم هذه الحرب أحبّتهم، للذين نخجَل أن نبتهج في عيد إذا ما تذكّرنا حالهم.. كلّ عام وأنتم تاج رؤوسنا.

هو كيان، بطبيعته، لا يمكنه العيش إلا في منطقة متناحرة متفجّرة على ذاتها طائفيّاً وإثنيّاً إلخ. هو كيان يتغذّى على امتصاص دماء الشعوب المحيطة به.. تارة بغرس أنيابه مباشرة وأخرى باستثماره قتل بعضهم بعضاً.. ليسبح في دمائهم.
هذا ما أطال عمره. هذا أكثر ما أجاده طوال القرن الماضي...

'طوفان الأقصى' حدث لا يُفهَم بتمامه إلا مع الزمن وتعاقب الأجيال. هو مِن تلك الأحداث التي تشعر أنّ 'يد الغيب' قد هيّئته ليكون انعطافة في جريان الحياة. حدث مِن أحداث السُنن التاريخيّة الكبرى. واقعة مِن الواقعات التي تجعل المتنبّهين مِن معاصريها يَسألون أنفسهم: كيف كنّا قبلها؟

'فلسطين والمسجد الأقصى، هذه القضيّة المُقدّسة، هي ديننا وإيماننا وأساس تفكيرنا وانبعاثنا مِن جديد... هي صلاتنا ودعاؤنا، ونتقرّب إلى الله في سبيلها'
.
(الإمام السيّد موسى الصدر - الرجل الذي رأى... والذي جاء مِن أقصى المدينة يسعى)

ما الذي يبقى بيد مَن يفعل كلّ شيء لكي تخشاه، ثم لا تخشاه! يُصاب فهمه للعالم كما تلقّاه. لن يَقبل. مُت، مُت، لِمَ لا تموت! خف منّي، فالكلّ يفعل، لِمَ أنت لا تخافني! ثم يتحامق. يبدأ ارتكاب ما يُعجّل تبدّده.
هذا القائد، السيّد، لا يخاف في الله شيئاً. الحمد لله عليه.
في حفظ الله...