رُؤية المُحرمات وخاصة على صورة مستمرة، وعلى الأخص على شهوة ولذّة؛ تفقد الإنسان البصيرة تفقدهُ مسألة اليقين بالله، تفقدهُ رائحة الإيمان، تفقدهُ حرارة معرفة المعروف من المنكر! باختصار: تزيل جذوة الإيمان من قلبه شيئًا فشيئا حتى يصبح قلبه أسودًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا.

أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عزَّ وجلَّ، عجل الله عقوبته ولم يمهله وهذا أمرٌ قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب، وذلك لِعظم اليوم وشرفه عند الله، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام. - الإمام ابن القيِّم رحمه الله

مَن يُحب أن يفتح الله على قلبه، وينور دربه، ويقوي بصيرته، ويزيل همه، ويبعد غمه؛ فليكُن عمله في السر أعظم من العلانية، وفي الخلوة أجلّ من الجلوة، وفي الخفاء أكثر من العلن! قال الإمام مالك: من أراد أن يفتح الله له فرجة في قلبه وصلاحًا؛ فليكن عمله بالسر أكثر منه في العلانية.

لكل شاب: أنت في زمن دبّت فيه الشهوات، في كل ميدان امرأة تعرض جسدها، لا تكاد تدخل برنامج إلا وتعرض لك امرأة بكامل زينتها تريد فتنتك، احذر من التنازل، انتبه من الانزلاق لهذا الوسخ، وتمسك بعدم الالتفات، وتحصن بكثرة الذكر! وتذكر: "إن الذين يخشون ربهم بالغيب؛ لهم مغفرة وأجر كبير".

إذا وجدت حزنة في روحك، وضيقة في صدرك، فاتهم نفسك بذنب فعلته بينك وبين ربك ولو كان نية، فالذنوب هي أساس الهموم، ورأس الغموم، وأصل الجروح، ولا دواء لها إلى بالتوبة النصوح، والإكثار من الاستغفار. قال ابن القيم: المعاصي توجب الهم والغم وضيق الصدر ولا دواء لها إلا التوبة والاستغفار.

مهما قصرت في جانب الذكر، ومهما كانت أشغالك في اليوم والليلة، لا يلعب عليك الشيطان، ويثقل عليك أن تقول: "سبحان والله وبحمده"، مئة مرة. ففضلها عظيم، كما قالﷺ: "من قال سبحان الله وبحمده مئة مرة؛ غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر!". فضل عظيم، لا يغفل عنه إلا غافل مقصر!

أكثِر من عبادات الخفاء! أكثِر من عبادات الخفاء! من أعظم ما يُوفَّق له العبد في حياته، الطَّاعة حين خلوته، بكثرة عبادات الخفاء، ستجد نفسك أنَّك ازددت ثباتًا وتقرُّبًا من الله؛ فاحفظ نفسك في خلوتك من المحرَّمات.

من ينظر إلى المحرمات يحرق نفسه بنفسه، والله لا أبالغ بهذه الكلمة؛ أنّه يحرق نفسه بنفسه؛ لأن النظر الحرام مع التلذذ به يفسد القلب، ويدمي الروح، ويزيل أكثر الإيمان، ويثقل الطاعة في قلب العبد وكأنها جبل أحد! وهذا معلوم لدى من جرب هذا المنكر، ومن هجره لله وجد لذة تعوضه عن كلِّ لذة.

أجلّ الناس ثباتًا؛ الذين يتعبّدون الله في كل ميدان، ويرونه بعين المراقبة في كل مكان، فلا يخشونهُ في المسجد ويغفلونَ عن مراقبته في البيت، هم أين ما سارت ركابهم، وخاضت أرواحهم، يراقبونهُ مراقبة دقيقة، ويخافونهُ خوفًا صادقًا، ويحبّونهُ حُبًا عميقًا.

شروط التوبة: الندم على ارتكاب الذنب، والإقلاع عنه، والعزم في عدم العودة إليه، والصدق في النية! شروط يسيرة لمن وفقه الله وأعانه وسدده، فلو ارتكب الإنسان ذنوب الدنيا برمّتها، ثم عزم على تركها، وصدق في نيته لله، وندم عليها، وأقلع عنها بشكل جازم، واستغفر ربه من كل قلبه لصحّت توبته.

الدواء لمن أراد الجواب: عليك بخلوتك، فالخلوة هي الميزان الحقيقي، هي اللذة، هي السعادة، هي السلامة، هي الولاية لله، هي الفتوحات الربانية! بعد ذلك؛ عليك بحفظها والصدق فيها، كلما تركت المحرمات فيها؛ زادت بصيرتك، ووجدت عجبًا في نفسك وسرورًا، ولذةً لا تُشترى بالمال، وراحةً وطمئنينة.

أعظم هبة يهباها الله لك؛ صلاح قلبك، أن تكون نيتك طيبة، أن ترزق الإخلاص في القول والعمل، أن تتمنى للناس الخير والرحمة والزيادة من الطاعة والرزق الحسن، أن تكون في صفاء داخلي، فلا حقد ولا حسد ولا غل ولا فساد! هذا والله ثم والله من النعيم المعجل، ومن أعظم أسباب حصوله كثرة الدعاء.

إذا وهبك الله علمًا، وفتح عليك فهمًا، فلا تستحقر نفسك، ولا تهن عطاياك، ولا تزدري ذاتك، وكُن فطنًا بما رزقك الله، واستغل هذه النعمة في نشر الخير والإحسان إلى النَّاس، فلا تعلم بأي عمل تدخل به الجنة! قال ربيعة الرأي: لا ينبغي لأحد عندهُ شيء من العلم أن يضيِّع نفسه.

نظرة واحدة محرمة؛ تفسد قلبك أشد الفساد، تجعل فيه من الوحشة والبعد عن الخير أميال الأميال، وكل قساوة تشعر بها، وألم تحس به، هي من نظرة تأملتها، فكيف بالنظرات! قال ابن القيم: فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة.

أكثر من العبادة قدر المستطاع وخاصة بينك وبين ربّك جلّ جلاله، فإنَّ كثرة العبادة؛ تعطي القلب قوة فوق قوته، وصلابة فوق طبيعته، حتى أن المتعبد تزول منه المخاوف، وتذهب منه الرهبات، لما في قلبه من تعبد لله سبحانه، ويجد في نفسه راحة جلية لا يجدها مثله، بسبب ارتباط قلبه بالله.

المؤمن الفطن، يفطن لباب عظيم في حياته، يكسب منه أجورًا عظيمة في آخرته، لو انتبه له وربّى نفسه عليه؛ ألا وهو باب النية وتكثيرها في العمل الصالح، وتحويل العادة لعبادة كالنوم والأكل والشرب والترفيه؛ باحتساب التقوي فيها على العبادة، فيكون يومه منذ قيامه إلى منامه؛ طاعة وعبادة لربه.

من يُحب أن يعلم أنه موفق أو لا؛ فلينظر إلى ذكر الله في يومه وليلته، وإدباره وإقباله، فمن وفِّق لذكر الله قائمًا وقاعدًا وراكبًا وماشيًا؛ فقد رزق الخير العظيم، والوهب الجزيل، والعطاء المديد، والتوفيق السديد. فذكر الله؛ بوابة السماء الكبرى التي يلج معها الخير كله، والنعيم بأكمله.

لكل شاب: تمسك بشهوتك ولا تضعها في الحرام، لا تُضيع نفسك في تتبع مواطن الزلل، إيَّاك وقلبك يُفتن في هذه الحياة، وتذكر أن الدُنيا ما طابت إلا بالحلال المباح، فَحصن قلبك عن النظر الذي يؤذيك، وكثف طاعتك في الخلوات، ولا تسلِّم نفسك للهوى، فإنَّ الدنُيا تُريد الرجال، حفظك الله ورعاك.

لولا معرفة الله، واليقين بوعده، وحسن الظن به، والتلذذ بالهروب إليه، لخلعت القلوب مما تجد وترى من هذه الحياة الكبدية، وأحوالها الحنظلية، واضطراباتها الموجعة على الرُّوح والنفس. الحمد لله على معرفته وقربه.

أكثر من الدعاء أكثر من الدعاء أكثر من الدعاء، ولا تكثر من الشكوى! فعلى قدر إقبالك على الدعاء، وصدقك في الالتجاء، وارتباطك بالله في توجهك؛ يسدد أمرك، ويفرج همك، وترى النور في دربك، وليس شرطًا على العاجل بل ولو على الآجل، لكنك مع الدعاء ترزق الطمأنينة وتجد السكينة والقرار!