من حق الرئيس الإيراني التباهي بقوة بلاده وتهديد إسرائيل، لكن مادام نظامه على هذه القوة والقدرة، فماذا ينتظر لتدمير إسرائيل وتوفير كل هذا الدم والخراب، وانجاز ما لم ينجزه المتفيقهون قبله. وحينها سينفذ وعودا إيرانية من ٤٥ عاما بالقضاء على إسرائيل وتحرير القدس.
يمكن تفهم واحترام أسباب الداعين للفصل بين الحرب على غزة وبين الشحن الطائفي الذي يقسم ويرهق المنطقة منذ نحو ٢٠ عاما. نتفهم ذلك لأن شعبنا في غزة ومقاومته بحاجة لدعم الجميع. المشكلة أن دعاة الوحدة تركوا القوى التي عاثت خرابا وفسادا ومازالت، وتوجهوا نحو الضحايا ليصمتوا عن الصراخ.
من فوائد المناوشة الإيرانية الإسرائيلية، أنها رسمت إلى حد كبير مستقبل المنطقة: محوران رئيسيان، الأول إسرائيلي مع دول التطبيع، والثاني إيراني مع قواه من خارج الدول، لكن الثاني سيكون بلا أنياب، بل مجرد عدو صوتي (عاقل) ومفيد، وملتزم بما يسمى ( قواعد الاشتباك).
انتهى الصراع (المحسوب) بين إيران وإسرائيل، بضربة غامضة على أصفهان، اعتبرتها تل أبيب كافية، ولم تعتبرها طهران مدعاة للرد. انتهى السجال دون حرب، وعاد الحديث عن مهاجمة رفح، والتنكيل بغرة، مع فارق ما كسبته بعد مناورتها الإيرانية من دعم غربي متجدد، ووحدة داخلية.
لن يكون أحدهم لصا وقاطع طريق وقاتل في حي، وناسك وفاعل خير وبطل نبيل في حي آخر، فذلك مما يخالف المنطق ونواميس الدنيا، ومن يتمكن من إقناع الناس بهذه الثنائية فهو إما أن يكون كاذبا ماهرا، أو أن من يصدقه يريد أن يرى الأمر كما يحلو له ويكف بها عن نفسه ثمن الموقف.
وفيما يبلغ التنافس بين إيران وإسرائيل حافة الهاوية قبل التسوية الكبرى، يستمتع بعضنا بالتصفيق وربما الدعاء لهذا أو ذاك، متخيلين أن الركوب سيكون مجانيا ولوجه الله. لا حيلة لنا بما يجري ولا مصلحة، سوى أننا في مسرى القنابل، أما معركتنا الوحيدة فهي هناك في غزة فلا تنشغلوا عنها بسواها.
'الجنازة كبيرة والميت كلب'... هذا ما يمكن التعليق به على كل ما جرى البارحة من إيران تجاه إسرائيل... مشهد بايخ حقيقة.. لنعد إلى غزة الان فهناك المعركة الحقيقية وما عداها 'هوشة فاضية'..
ربما يشعر نتنياهو بالسعادة الان فهو يعتقد ان جبهة جديدة ستجر الغرب الى الحرب بجانبه بشكل كامل ويستعيد دعمه ويتخلص من جميع الضغوطات التي كانت تمارس عليه بسبب الملف الاغاثي بغزة. برغم الرد الايراني الهزيل الا ان نتنياهو على ما يبدو مصمم على الرد على ايران x.com/Emaad_Samrraie…
قد لا يكون الغرب مولعا بحرب شاملة في المنطقة، لكنه كان ينتظر فرصة، يقنع بها رأيه العام، بضرورة أن يلتف حول إسرائيل، وتناسي جرائمها في غزة. ويبدو أنه وجد فرصته الآن.
بغض النظر عن نتائج القصف الإيراني، فإن مجرد القيام به، يكسر قواعد اشتباك ثابتة مع إسرائيل، وقد تستدعي ردا إسرائيليا ولو لمرة واحدة، كما حدث ضد العراق ١٩٨١. قد تكون إيران أنها لتوها سياسة استمرت ٤٥ عاما من الصراع مع إسرائيل عبر وكلاء.
القصف الإيراني الراهن، قد ينتهي باسقاط كل المسيرات والصواريخ، لكن مع كثرتها، فقد يصيب بعضها أهدافه، وربما يوقع قتلى، وحينها سيكون الرد الاسرائيلي محتملا جدا، وندخل في حرب مفتوحة تشارك فيها مجاميع مسلحة في لبنان والعراق. هنا تكون الحرب الإقليمية الشاملة قد بدأت فعلا.
استبيانات عديدة على X تسأل الناس عن مواقفهم لو نشبت حرب بين إيران وإسرائيل. ورغم أن التساؤل والاجابات غير علمية، ولا يعتد بها، لكن ماتؤشره من مزاج عربي عام، يوضح حجم الانقسام، والموضع الذي بلغته إيران كرديف لإسرائيل، ومستقبلنا الذي قد يتوزع للأسف بين من يقف في صف هذا أو ذاك.
نشهد منذ ٧٠ عاما حروبا وصراعات في منطقتنا، ولم نعرف أن طرفا، يدخل في حوارات بالواسطة مع عدوه، قبل أن يوجه له ضربة يعلم الجميع بمكانها وزمانها. دعوا عنكم السخرية في كل ذلك، لكن الأمر مهم، لأنه يكشف حقيقة الصراع، وما إن كان أي من طرفيه يستحق التصديق، لاسيما من جانب أصحاب القضايا.
الباحثون عن الإثارة بحرب بين إيران وإسرائيل، سيشعرون بخيبة أمل، بعدما تنتهي حفلة التكهنات المبرمجة الحالية، إلى عملية محدودة مسيطر عليها في أشد الحالات. المهم أن الطرفين سيشعران، لاحقا أن، التفاهم بينهما ممكن، وواقعي، رغم أنه لن يتكرر كثيرا.
الجدل الراهن حول الضربة الإيرانية الانتقامية لإسرائيل، يشبه ما حصل قبل أربع سنوات مع أمريكا، عقب اغتيال سليماني. في النهاية، انتهى الأمر آنذاك إلى رد متفق عليه، لا يقتل ولا يؤذي، ويمكن استخدامه لادعاء تحقق الثأر، وغلق الملف.
انتقادات نائب الوزير في مكتب نتنياهو لرئيس الأركان، واتهامه بالتسبب بخسارة الحرب، بداية مباشرة لاختيار كبش فداء، يقع عليه لوم الفشل. نتنياهو بدأ التحضير للقبول بهدنة طالما رفضها من قبل.
الآن، صار ممكنا أن تنتهي هذه الحرب قريبا بصيغة تهدئة طويلة نسبيا. لكنها ستعود من جديد، لأن كل أسباب الحرب ستبقى قائمة، ولأن غرف التفاوض ستكتفي بالهدنة وتبقي القضايا المفصلية دون حسم.